♥ صَمْت اَلقُلوبْ ♥

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
♥ صَمْت اَلقُلوبْ ♥


    اشتري حكمه .. لا تندم عليها

    NOGA
    NOGA
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 213
    تاريخ التسجيل : 24/02/2011

    اشتري حكمه .. لا تندم عليها Empty اشتري حكمه .. لا تندم عليها

    مُساهمة من طرف NOGA الجمعة مارس 04, 2011 4:40 pm

    يحكى
    أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد
    الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار
    طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ الأردن ،
    وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء
    أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن
    تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي
    إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .


    وعمل الرجل
    عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل وأحياناً أخرى يعمل في مضافته يعدّ القهوة
    ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه خلالها
    ببعض الإبل والماشية .


    ومضت عدة
    سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية
    أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه
    فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى
    له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .


    وسار الرجل
    ما شاء الله له أن يسير ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى
    شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب
    الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان
    الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة .


    فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟


    فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح .


    فقال الرجل : تبيع نصائح ، وبكم النصيحة ؟!


    فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير .


    فأطرق
    الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول
    عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات
    لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟


    فقال له الشيخ :" إذا طلع سهيل لا تأمَن للسيل " .


    ففكر الرجل
    في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني
    هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات . وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ :
    هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر .


    فقال له الشيخ : " أبو عيون بُرْق وأسنان فُرْق لا تأمن له " .

    وتأمل
    صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة ، فقال
    والله لأغامرنّ حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ، فقال
    للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر .


    فقال له : " نام على النَّدَم ولا تنام على الدم " .


    ولم تكن
    النصيحة الثالثة أفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من
    مواشٍ وسار في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة
    التعب وشدّة الحر ، وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان
    قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ،
    وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم طلع نجم سُهيل ، وعندما رآه
    الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب


    البيت
    وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي
    ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال
    والله لقد اشتريت النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن
    يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .


    وفي أواخر
    الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ سوى بعض
    المواشي . وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وأنعق لها
    فتبعته وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في
    الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد
    في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو
    عيون بُرْق وأسنان فُرْق " فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به
    نفس المواصفات لا ينقص منها شيء .


    وفي الليل
    تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من مواشيه وأغنامـه ،
    وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً
    غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام
    ،خاصة بعد أن لم يرَ حراكاً له ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله
    ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم
    منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال
    له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته
    وغاب في أعماق الصحراء .


    وبعد مسيرة
    عدة أيام وصل في ساعات الليل إلى منطقة أهله ، فوجد مضارب قومه على حالها ،
    فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد
    زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه
    وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول
    " نام على الندم ولا تنام على الدم " ، فبردت أعصابه وهدأ قليلاً فتركهم
    على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها


    حتى الصباح
    ، وبعد شروق الشمس ساق أغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ،
    واستقبله أهل بيته وقالوا : والله من زمان يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة
    طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى ابنه
    وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته فحمد الله على سلامتهم
    ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم وقال بينه وبين نفسه والله إن كل نصيحة
    أحسن من بعير ، وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها
    في الوقت المناسب .

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 2:28 am